قال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أمس الاثنين: إنه يجب على دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة.
واتهم وزير الخارجية الإماراتي حركة الإخوان المسلمين التي اعتقل نحو ستين من أعضائها في الإمارات، بأنها "لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بسيادة الدول".
قال الوزير عبد الله ردا على سؤال في مؤتمر صحفي حول نحو ستين إسلاميا اعتقلوا في الأشهر الأخيرة في الإمارات العربية المتحدة "لا أود أن أعقب على الإجراءات القضائية بشأن الموقوفين".
وأضاف: "كما تعرفون فإن فكر الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان بالتواصل والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها".
وقال الوزير "نحن كدول نحترم بعضنا البعض ونحاول أن نقدم أفضل السبل والخدمات لمواطنينا ونستطيع أن نتحاور مع مواطنينا بشكل منفتح وشفاف ولكننا لا نقبل أن تكون هناك أطراف أخرى تستغل انفتاح دولنا".
أين هم الإخوان الذي يتآمرون لتقويض الحكومات في المنطقة؟ هل يمكن للوزير أن يدلنا عليهم؟ الإخوان في تونس هُجَروا ونُفوا واضطُهدوا وسُجنوا ولم يشهروا سلاحا في وجه زبانية بن علي، ولما شاركوا في أول انتخابات نزيهة بعد الثورة فازوا بأكثرية المقاعد في المؤتمر التأسيسي وشكلوا الجهاز التنفيذي، ولم يقوضوا لا حكومة الجيران ولا غيرها من حكومات المنطقة، وأظهروا مسئولية عالية في التعامل مع مختلف القضايا الشائكة.
وإخوان مصر فازوا في انتخابات البرلمان ورشحوا أحد قيادييهم وأصبح رئيسا لأكبر بلد عربي، وما قوضت حكومات ولا هددت إسرائيل، المحتل المغتصب، فكيف تهدد دول المنطقة؟
وإذا بدر منها أي تهديد، فهل تسكت عنه واشنطن ولندن وتل أبيب؟
يعني الإخوان لم يتربصوا إلا بالإمارات من دون حكومات العالم؟ ولماذا الإمارات بالذات؟
ثم الإخوان الذين حكموا مطاردون من شعوب بلدانهم والقوى الثورية والمعارضة القوية الصادقة فيها بالمطالب والنقد والتصويب والاحتجاج والرقابة، فهل إن تآمر الإخوان سيمرر لهم كل هذا الزخم الثوري الشعبي الواعي والمؤثر، وسيسكتون عن "جرائمهم" في حق الوطن وحق الجيران؟
وأما حركة الإخوان "لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بسيادة الدول"، فكيف يفسر الوزير الإماراتي قيادتهم لدول عربية (مصر وتونس وحكومة المغرب) بلا عنت ولا مخاطر ولا تهديدات ولا شبهات، فهل غيروا صبغتها وهويتها السياسية وكيانها، وهل عبروا الحدود و"حرروا" دول المنطقة؟ وماذا يقصد بالسيادة؟ إذا كانت بمعنى استقلالية القرار والإرادة السياسية، فما استباح الإمارات إلا أبناء الشيخ زايد، حكام البلد اليوم، ومكنوا جواسيس العالم وكبار المفسدين والسماسرة من تحويل بلدهم إلى محطة رئيسة في تجارتهم وصفقاتهم ومهماتهم المشبوهة، وغزاها الأجانب حتى بدت أقرب إلى مستوطنة للغربيين والآسيويين، فهل حافظوا هم على سيادة بلدهم؟
وقد كشفت مصادر أمريكية من فترة وتحدثت عن طريقة تعامل كبار المسؤولين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع حكام الخليج، وفي مقدمتهم سادة الإمارات، باستخفاف واحتقار، والاتصال بهم أحيانا لا يزيد على مكالمة من سفير أمريكا في عاصمة البلد، استدعاء أو تحذيرا أو توبيخا أو ما إلى ذلك من صنوف الاستعلاء والمهانة والإذلال، فأين هذه السيادة؟
والإخوان الذين وصلوا إلى الحكم في بلاد الثورات غارقون في تفاصيل ومتاهات حياة الناس اليومية ومعالجة تركة أنظمة عهود الظلام والطغيان بتعقيداتها وتراكماتها وتشعباتها، فكيف لهم أن يفكروا في التآمر على حكومات دول أخرى، فهل يجدون وقتا لهذا؟ ولماذا يتآمرون أصلا وهم الآن أحد أهم الأطراف المؤثرة في مستقبل بلاد الثورات؟
ولم أسمع عن إسلامي خليجي من الإخوان وغيرهم أنه يريد الإطاحة بحكام الخليج ويتآمر على تقويض حكوماتهم، ولم يطالبوا بتغيير حاكم ولا بالانقضاض على حكومة، وكل ما في الأمر أنهم طالبوا بالمشاركة السياسية واستقلالية القضاء ورفض تدخل الأمن السياسي في شؤون الناس وحياتهم وانتخاب ممثلي الشعب في البرلمان والكف عن ترهيب الإصلاحيين والناشطين وتوقيف حملات الاعتقالات والمداهمات.
عقدة التقويض والسيادة هاجس يطارد حكام الإمارات اليوم، لأنهم أكثر أمراء الدول الخليجية، وربما العربية عموما، انتهاكا لسيادة بلدانهم وتمكينا للمستوطنين من استباحتها.
ما أقلق الوزير الإماراتي وأمثالهم كثر في قصور الحكم في العواصم الخليجية، ليسوا هم الإخوان لأنهم إخوان، ولكن أفزعهم كثيرا طموحهم السياسي ومطالبهم الإصلاحية وتأثيرهم القوي في بلاد الثورات وما يمكن أن يحمله من عدوى.
فهم لا يتحملون طينة معينة من الناس، ولا أن يروا اعوجاجا في الصف الخاضع ولا أن يسمعوا مطالب سياسية، فالحكم ملك لهم والبلد خاضع لنفوذهم والسياسة يصنعها من سلموا لهم أمر الصياغة والتوجيه والتأثير، والتهم جاهزة ولكنها بالية وحتى إسرائيل ترفعت عليها وبحثت لها عن ذرائع أخرى غير التآمر والانقضاض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق