لا تخطئ عين المتابع لوسائل الإعلام الخليجية - خاصة السعودية والإماراتية - تغطيتها غير الموضوعية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبعد عقود طويلة من اهتمام العرب والمسلمين بالقضية الفلسطينية اعتزازهم بالمقاومة ورموزها، أصبح الإعلام الخليجي يتسابق في تشويه صورة المقاومة - وعلى رأسها حماس - وشيطنتها، من خلال إلصاق التهم بها.
وتشن إسرائيل منذ أسبوع غارات جوية مكثفة وقصفا مدفعيا على أنحاء متفرقة في قطاع غزة، في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد" أسفرت عن سقوط أكثر من 176 شهيدا حتى وقت إعداد هذا التقرير.
قتيل لا شهيد
ويلحظ المتابع لقناتي "العربية" التابعة للسعودية و"سكاي نيوز عربية" التابعة للإمارات هذه الأيام، استخدامهما في تغطية حرب غزة لمصطلحات غريبة على الأذن العربية، من قبيل "التصعيد الإسرائيلي العسكري" و"العنف" و"العمليات العسكرية"، وتكاد تختفي تماما ألفاظ مثل "المجازر" أو "شهداء" و"مقاومة" و"احتلال" و"صهيونية".
كما أن الصحف الإماراتية أصبحت تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في الصراع، وتستخدم مصطلحات تستخدمها الصحافة العبرية فتعتبر حركة حماس حركة إرهابية، على سبيل المثال!وبينما عرضت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ومصر وقطر وتركيا المساعدة في تأمين هدنة بغزة، لم تظهر حتى الآن أي بادرة من الجانب الإسرائيلي أو حركة حماس بالتوقف عن الحرب رغم الضغوط الدولية للتفاوض على وقف إطلاق النار.
وقالت إسرائيل يوم الاثنين إنها أسقطت طائرة من دون طيار مصدرها قطاع غزة، للمرة الأولى في تاريخ الصراع بين الجانبين.
تعنت المقاومة!
ودأبت الصحف الإماراتية على تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن سقوط أبرياء من المدنيين نتيجة ما أسمته الصحيفة بـ "العناد والتعنت" من حركة حماس، دون ذكر للمسؤولية السياسية والأخلاقية على دولة الاحتلال.
ومع كل مرة تشن فيها إسرائيل عدوانا على غزة، أصبحت الصحافة الإماراتية تلوم الضحايا، وتتهم المقاومة الفلسطينية باستفزاز إسرائيل "البريئة" ودفعها لضرب المدنيين.
وتمتلئ صفحات الصحف الإماراتية والبرامج الإخبارية بالحديث المتكرر عن صواريخ المقاومة العبثية والبدائية التي لا تحقق أي نتيجة تذكر.
وأكدت حركات المقاومة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، أنها لن تقبل بالعودة إلى معادلة "الهدوء مقابل الهدوء"، وطالبت بأن يكون وقف لإطلاق النار مقابل رفع الحصار عن غزة والإفراج عن الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل في الضفة الغربية الشهر الماضي.
ومن المقرر أن يعقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعا في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة مساء الاثنين بطلب من الكويت لمناقشة الغارات الإسرائيلية على غزة.
تجاهل القضية
وتنوعت تغطية الصحف والقنوات الإخبارية الإماراتية بين تجاهل كبير للأحداث أو التحدث عن الطرفين بشكل متعادل، كأنهما متكافئين في القوة، وكأن الصراع يدور بين طرفين لا يعنيان المتابعين الخليجيين.
صحيفة الإمارات اليوم، فلم تتناول الحرب على غزة سوى بخبرين صغيرين ألقت بهما في آخر الصفحة الرئيسية لموقعها الإلكتروني، واهتمت بدلا من ذلك بالأخبار المحلية الاقتصادية والرياضية والأخبار الطريفة، وهو الشيء نفسه الذي قامت به صحف أخرى مثل البيان والخليج والاتحاد الإماراتية، ما يدل على توجه عام بعدم الاهتمام بأخبار العدوان على غزة.
وغابت عن وسائل الإعلام الإماراتية التقارير الإنسانية التي تركز على معاناة أهالي غزة الحالات المأساوية التي يشهدها القطاع جراء الحرب وما يخلفه العدوان الإسرائيلي من دمار، وبدلا من ذلك يتم تناول المأساة بشكل إخباري بارد يتحدث عن "القتلى والمصابين في طرفي نزاع" بشكل عددي يخلو من أي مشاعر تضامنية.
خطاب متصهين
من جانبه، رصد أحمد بن راشد بن سعيد الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود عبر حسابه على "تويتر"، تنامي هذا التوجه للإعلام السعودي، فكتب على حسابه، أن صحيفة الرياض ألغت - هي الأخرى – تعبير "العدوان على غزة"، وأصبحت تستخدم بدلا منه كلمات مثل "الغارات" و"القصف"، كما أنها ألغت كلمة "استشهاد" لأول مرة وباتت تستخدم الآن مصطلح "قتل" في وصفها لسقوط ضحايا من الفلسطينيين!
وفي مقال سابق له بعنوان "الخطاب المتصهين في الإعلام الخليجي"، قال سعيد إن هذا التغيير ظهر بقوة في أعقاب هجمات سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، كمحاولة من السعودية لتبرئة نفسها من تهمة الإرهاب بعد مشاركة سعوديين في تلك الهجمات، بدأ بمهاجمة كل مظاهر التدين الإسلامي وربطها بالإرهاب، ثم تدرج الخطاب إلى معاداة حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وعلى رأسها حماس.
وكمثال للغة الخطاب الذي تتبناه الصحف الخليجية، نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مقالا للكاتبة السعودية أمل عبد العزيز الهزاني هاجمت فيه بشدة حركة حماس وقادتها، وقالت إنهم يهربون من القتال ويعيشون في فنادق فاخرة في الدوحة تاركين أهل غزة للموت ليتاجروا بدماء الضحايا!
وأضافت في المقال الذي نشر يوم السبت الماضي بعنوان "قميص غزة": "إن حماس مسؤولة عن كل الفظائع الإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية، كونها تواجه عدوا جبارا بصدر مكشوف، والنتيجة مؤكدة سلفا، مخازن ومنصات الصواريخ التي تطلقها التنظيمات موجودة داخل الأحياء السكنية، وحركة نشطاء حماس يرصدها الإسرائيليون، كلها أهداف مكشوفة للطيران الإسرائيلي جعلت الأهالي في مرمى صواريخ تمزق الأطفال في الشوارع والبيوت أشلاء كأنهم خراف".
واختتمت مقالها بانتقاد ما أسمته "النفاق الإعلامي المكرر، والبكائيات المقيتة التي ما برحنا نسمعها في كل مرة تقرر فيها حماس التضحية بجزء من سكان غزة الذين باتت دماؤهم ورقة لعب في يد نتنياهو وخالد مشعل".
وكتب سليمان الدوسري مقالا السبت الماضي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية قال فيه إن "المشهد يتكرر، حماس تستفز إسرائيل، فترد الثانية بقتل الأبرياء الفلسطينيين، ثم تنتهي الحرب فيخرج "الحمساويون" من تحت الأرض، بعد أن قاوموا بأجساد أبناء غزة، ليجمعوا المساعدات المليارية، فيما ينتظر الشعب الفلسطيني عدوانا إسرائيليا آخر".
وتابع الدوسري: "ستعود الطائرات الإسرائيلية لقواعدها سالمة، وستتوقف حماس عن إطلاق صواريخها أيضا وتزعم أنها انتصرت بعد أن ارتفعت أرصدتها البنكية بفعل المساعدات، مختتما مقاله بسؤال "متى توقفت حماس عن المتاجرة بدماء أبناء شعبها"؟!