في نهاية الشهر الماضي، عُقد مؤتمر للأرشيف التلفزيوني في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، و على هامش هذا المؤتمر الذي تُقيمه سنويا منظمة دولية تُدعى (FIAT/IFTA ) تم ترشيح هذا الفلم المسمى (Israel: A Home Movie) للفوز بجائزة كفلم منتج من الأرشيف.
الجدل يدور حول الفلم كونه عبارة عن مجموعة من الفيديوهات العائلية الخاصة التي قام اليهود بتصويرها في الفترة ما بين عامي 1920 و 1970 أي قبل و بعد النكبة أو تأسيس الكيان الصهيوني. المحور الأبرز في هذا الفلم هي كون هذه العائلات التي جاءت لفلسطين تملك الكاميرات و أدوات الترفيه على أرضٍ عانى سكّانها الأصليون من ظلم هؤلاء المحتلين. في تلك الفترة، كان الصراع على أوجه بين العرب و الفلسطينيين من جهة و اليهود و البريطانيين من جهة. و لا يخفى علينا جميعاً المجازر و الانتهاكات التي كانت تحصل في ذلك الوقت بحق الفلسطينيين، و التي لم يتمكن الفلسطينيون من توثيقها بالصورة بسبب قلة ذات اليد، في حين أن اليهود كانوا يلهون بكاميراتهم و يصورون حياتهم المرفّهة. في الفلم مثلا، و الذي يمتدِ لأكثر من 90 دقيقة، صور متحركة توثق وصول بعض العائلات اليهودية على متن البواخر إلى أرض فلسطين، و التي تردد في الفلم تسميتها (بالوطن) كما ظهر أيضاً أطفالٌ يهود يلهون في حديقة منزل، و الكثير من حفلات الزفاف و المناسبات العائلية و التي يعلّق عليها أصحاب الصور أنفسهم بعد أن طال بهم العمر. كلّ ذلك، يصب في خانة التزوير الذي يمارسه الكيان الصهيوني ليثبت للعالم بأنهم عاشوا على هذه الأرض منذ القِدم بسلام، و أن العرب، أو الفلسطينيين هم دخلاء على خط التاريخ الزمني.
رحلة وصول هذا الفلم إلى الإمارات العربية المتحدة، لا تقلّ إثارةَ عن فكرة الفلم نفسه. فبعد استبعاد الفلم (الاسرائيلي) في أواخر أغسطس من هذا العام، بسبب أن المؤتمر سيُعقد في دولة عربية، ووجهت المنظمة الدولية بحملات ضغط و تشويه من قبل الإسرائيليين نُشرت خلالها مراسلات خاصة بين رئيس منظمة (FIAT/IFTA) الهولندي (يان موللر) و منتج الفلم (أريك برنشتاين). و فعلاً، آتت هذه الحملات أُكلها حين تمت الموافقة على إعادة ترشيح الفلم في مشهدٍ يبين الحالة المترهلة التي تعانيها هذه المنظمة الدولية. و في ليلة توزيع الجوائز التي لم يحضرها أيّ من منتجي الفلم، بسبب عدم منحهم التأشيرات الخاصة، تم منح الجائزة للفلم (الإسرائيلي) وسط تعتيمٍ إعلامي، و تسلّمها (يان موللر) نفسه بدلاً عن منتج الفلم لتكتمل بذلك حلقة الانصياع و التزوير من قبل المنظمة الدولية وبمساعدة دولة عربية هي الإمارات.
هنا تبرز عديد الأسئلة، حول ماهية الحقّ الفلسطيني و مدى إيمان العرب به، كون الجائزة مُنحت على أرض عربية. و كيف يُمكن لوسائل إعلامٍ عربية تحمل أسماء كبيرة أن ترعى جائزة تُمنح لإنتاج (إسرائيلي) يستهين بعذابات الفلسطينيين و يستثني وجودهم على الأرض التي يملكون. أسئلة برسم وِقفة تاريخية لا برسم الإجابة.